نصُّ مسماریُّ غیر منشور مُعْنیّ بالشعیر (من العصر السومری الحدیث )

شهدت بلاد الرافدین تقدما ملحوظا فی العصر السومریّ الحدیث فی جمیع میادین الحیاة المتنوعة الاقتصادیة والسیاسیة والدینیة , وکانت الحیاة الاقتصادیة فی بلاد الرافدین قائمة بالدرجة الأساس على الزراعة والثروة الحیوانیة ومنتجاتهما ، وعلى الصناعة والتجارة بالدرجة الثانیة ، إذ کانت الزراعة والثروة الحیوانیة هی عصب الحیاة لمجتمع بلاد الرافدین فی أغلب العصور التأریخیة ، ولم تتوقف النشاطات الاقتصادیة الأخرى فقد مارس الإنسان الصناعة واهتم بالحرف الصناعیة وأتقنها وکانت عدد من الصناعات قد اعتمدت على الزراعة والثروة الحیوانیة ، واهتم الإنسان بالتجارة وقام بإیصال منتجاته الزراعیة والصناعیة الى البلدان المجاورة ، واستورد الکثیر من المعادن والأحجار والمواد الأخرى التی تفتقر الیها بلاد الرافدین. بعد سقوط المملکة الأکدیة على ید الغزاة الکوتین تلت ذلک مرحلة من الفوضى والاضطرابات السیاسیة والاقتصادیة طبقاً لما جاء فی جداول الملوک السومریة، وبعد طرد الکوتین جاء عصر أور الثالثة حکم البلاد فیه خمسة ملوک هم : أور- نمو وولدهُ شولکی، ومن بعدهُ ولدیه امار- سین، وشو- سین على التوالی، ثم الملک ابی – سین. تمتعت البلاد فی العصر السومریّ الحدیث بنوع من الاستقرار السیاسی والرقی الحضاری، فقد عمل ملوکها (ولاسیما الأربعة الأوائل) على تثبیت سلطتهم داخل البلاد وخارجها، إذ عملوا على مـد نفوذهم خارج البلاد، فقد قام أور-نـمو مؤسس السلالة بحملات عسکریة على بلاد آشور فی الشمال  وعلى  وادی الخابور فی منطقة أعالی نهر الفرات وعلى بلاد عیلام فی الشرق، اما ولده شولکی فقد کان نشاطه العسکری أوسع من والده، فبعد أَنّ وطّد الأوضاع الداخلیة للبلاد وثبّتها، جهّز عدة حملات عسکریة  إلى خارج بلاد سومر وأکد شملت البالیخ أعالی نهر الفرات فی الغرب ومعظم مناطق الخلیج العربی، وحذا کلّ من ولدیه امار- سین وشو- سین حذو أبیهما، إلا أنهما مع التوجه العسکری وجها اهتمامهما الى الأعمال العمرانیة بشکل ملحوظ لیس فی العاصمة أور فحسب بل حتى المدن الاخرى التابعة لسلطة مملکة أور الثالثة مثل نفر والورکاء واریدو واوما واشنونا وآشور وغیرها من المدن.  اما فی عصر الملک ابی - سین فقد اختلف الوضع عما کان علیه فی زمن أسلافه، وأخذ الوضع السیاسی والاقتصادی بالتدهور, وذلک بتزاید دخول الأقوام الأموریة المهاجرة، وتدهور الوضع السیاسی والإداری بانفصال المدن التابعة لحکمه وعدم إعلان الملوک والحکّام الولاء للملک ابی - سین، کما ازداد الوضع الاقتصادی سوءاً بسبب تلک الضغوطات، التی أدت بالنتیجة إلى تفکک أرجاء مملکة أور الثالثة فی زمن حکمه على الرغم من محاولاته للاحتفاظ بالسلطة إلا أنه لم یتمکن من ذلک. إن النتاج الحضاریّ الثریّ لهذا العصر عکسته الأعداد الهائلة من النصوص المسماریة المکتشفة فی المدن والمواقع الاثریة التابعة إلى العصر السومری الحدیث، والتی کشفت عن جوانب مضیئة تعکس صورة واضحة ومشرقة عن الابداع الفکری لسکان بلاد الرافدین ,إذ سلطت الضوء على حجم الثروة الاقتصادیة الهائلة لهذا العصر، وازدادت النشاطات نتیجة للتطورات الاقتصادیة والاجتماعیة والحضاریة التی مرّ بها الإنسان,  والتی انعکست على ظروف الحیاة البیئیة والسیاسة. وتطلبت التطورات العمرانیة وازدیاد عدد السکان قانوناً لحفظ النظام وتنظیم العلاقات الاجتماعیة والاقتصادیة  بشکل یضمن للفرد حقوقه وواجباته ولهذه النشاطات کلها کان لابد من تسجیلات ووثائق یمکن الرجوع إلیها إذا ما دعت الحاجة لذلک، ولذلک کان للرقم الطینیة والوثائق المسماریة أهمیة کبیرة فی مختلف جوانب الحیاة الیومیة.           إن موضوع البحث یعتمد أَساساً على أحد النصوص المسماریة المحفوظة فی المتحف العراقی  , والذی یحمل الرقم المتحفی IM.205047 ولا یمکن تحدید المدینة أو الموقع الذی عثر علیه کونه من النصوص المصادرة لصالح المتحف العراقی .            وهناک عدة أسباب دعتنی لاختیار هذه النص منها انه خاص بمادة واحدة وهی الشعیر الذی کان یزرع بالدرجة الأولى والقمح اذ کانت لهما أهمیة اقتصادیة بوصفهما غذاءً رئیساً فضلاً عن إدخالهما فی التعاملات الاقتصادیة إذ أصبحا وسیلة للمقایضة وتثمین الأسعار والاجور فی وقت لم تستعمل فیه عملة نقدیة رسمیة صادرة من المملکة آنذاک. وانطلاقاً من هذه الأهمیة للشعیر جاء موضوع البحث لیسلّط الضوء على أبرز عنصر غذائی مهم ارتکز علیه مجتمع بلاد الرافدین , اطلق على الشعیر فی اللغة السومریة še ویرادفها باللغة الأکدیة še'u , وتوزیع الشعیر على بعض الشخصیات أو ألاسماء , وکذلک على معبد الآلهة گولا ومعبد الإله نرگال .         کما یمکننا معرفة کیف تُحسب کمیات متنوعة موزعة على عدة أَشخاص وفق مکاییل و أوزان تلک المدة , إلى جانب الرغبة فی التعرف على مضمونه ومعرفة أهمیته فی هذا العصر تحدیداً على الرغم من وجود بعض النصوص تمت قراءتها من دون الاهتمام بالمادة الموزعة .