مظاهر تأقلم الانسان مع الحیاة فی بلاد الرافدین فی ضوء المشاهد الفخاریة والکتابة الصوریة
الملخص
من اهم نقاط التحول التی ترتب علیها إنجازات الانسان والحضارة الإنسانیة فی التأریخ، هی أولا، التغییر المناخی الکبیر الذی حدث حین بدأ التراجع الجلیدی الأخیر منذ حوالی ١٨٠٠٠ سنة، مع العصر الحجری الوسیط تقریبا. وثانیا، مرحلة انتقال الانسان من جمع القوت الى انتاج القوت التی هی من اهم الخطوات التی خطاها الانسان فی طریقه نحو الاستقرار فی نمط العیش منذ الاف السنین، ولشدة اهمیتها أطلق الباحثون علیها تسمیة ثورة العصر الحجری الحدیث.
بعد التغییر الکبیر فی المناخ فی منطقة الشرق الادنى، شکلت مواجهة الانسان لبیئته الجدیدة ومحاولة التأقلم معها من اهم التحدیات التی کان على الانسان مواجهتها، لضمان البقاء. ومن ثم أدى ذلک التحدی الى اهم اکتشافات الانسان الا وهی محاولات للتدجین والزراعة: بدأت بمحاولات لزراعة الحبوب ثم نجحت شیئا فشیئا واصبحت زراعة مستقرة وأدت الى نشوء المستوطنات الزراعیة، وهذا هو مضمون التأقلم بصورة رئیسیة. ولأهمیة تلک المرحلة من حیاة الانسان التی کانت فیها الکتابة لاتزال غیر موجودة وغیر معروفة، تناولها الباحثون من عدة جوانب، وفی ضوء الأدلة الاثریة من حیث الطرز المعماریة، تطور الأدوات الحجریة، والنتاجات الفخاریة (من حیث دقة الصناعة والتقنیات المستخدمة)، کما أجریت دراسات مهمة عن البقایا النباتیة والحیوانیة وما الى ذلک من دراسات عن نمط عیش الانسان فی تلک الفترة التی لحقت اکتشاف الزراعة.
الى جانب دراسات عن البقایا الاثریة والتی کشفت الستار عن العدید من واجهات الحیاة فی بلاد الرافدین خلال تلک المرحلة، الا ان الصورة المرئیة لمظاهر التأقلم مع الحیاة ومدى انسجام الانسان مع الظواهر الطبیعیة فی ظل الاستقرار فی تلک الفترة، تبقى جزءاً مهماً لتکملة ما صورته الأبحاث والدراسات. ولحسن الحظ، تخدمنا الصور والمشاهد المرسومة على الفخار من أواخر العصر الحجری الحدیث والعصر الحجری المعدنی، والتی عن طریق دراستها وتحلیلها نهدف الى رؤیة الانعکاس لواقع تفاعل وتأقلم الإنسان مع بیئته الطبیعیة. وبذلک تأتی نماذجنا من المشاهد الفخاریة من منطقة بلاد الرافدین (العراق وسوریا) فی الإطار الزمنی الذی یبدأ من فترة حسونة، سامراء، حلف والعبید وأخیرا بعض النماذج من عصر ورکاء وجمدة-نصر، وتلک هی النماذج التی تحمل العناصر التی تخدم اهداف البحث. ومن اهداف البحث ایضا تتبع التطورات اتی طرأت على تلک النقوش وأصبحت فیما بعد تشکل عناصر من اول وأقدم نماذج الکتابة فی التاریخ، الکتابة المسماریة، من مرحلتها الصوریة، وذلک یؤکد أکثر ان عناصر ورموز الکتابة متأصلة من النقوش الفخاریة من عصور سبقتها. ونقوم بالاستعانة ببعض المشاهد على نماذج فخاریة من إیران وترکیا الحالیة لغرض المقارنة.



